الاثنين، 7 يونيو 2010

أنثى تحترق

كثير ما يحرص الإنسان أن يوجد سبباً ودافعاً للكتابة وتفريغ ما ينوء به من حمولةٍ وهموم على صدر تلك الصفحات اليافعة ليعود بعدها بروح جديدة وأمل مشرق وخيال نقي ..
... وفي تلك الليلة الهادئة إلاّ بعض أصوات الرياح وهي تحرك بلطف حواف الأغصان المتدلية فتتمايل على أنغامها برقةٍ ودلال ..
والقمر يحتضن صدر السماء الصافية ويرسل أشعته فتنعكس على جبين الأرض ليمتد بعض ضوءها الساطع فيصافح نافذة حجرتي ..
وأنا لازلت أجاذب سكرات النوم بين مدٍّ وجزر .. ممسكة بقلمي استحثه أن يبدأ بالركض كعادته فشغفي بالكتابة قد سيطر مداركي واستقر في أعماق قلبي وعلى أريكته وجدت من أشكي أليه وأبكي معه وأسرف بمصافحته والسمر به . .
وفي لحظة عنفوان الخيال وسباق المشاعر تتعثر لغة الحديث وسط مستنقع الألم والحزن لتعيد ذاكرة الزمن عرض تلك الصور القاتمة الملامح أبحث بين أجزاءها عن تفاصيل مضيئة فتعاجلني بدخانٍ يفترش جسدها ويستثير جراح لازالت تصرخ بعمق الماضي الموجعة ..
ظلّهُ لا زال يلاحقني وصورته باتت تؤرقني ولا تكاد تنقضي صفحة حتى تعاجلك أخرى بأكثر شوق وحرارة ..
هنا يستوقفني قلمي - أن حسبك - ولا تتجاوزي فإن نكأ الجراح أعظم ألما وأشد قسوة ..
فأعود من جديد لأمارس إغراءات التمرد والعصيان بدفعه ثانية ليواصل هذيانه الممتع ..
هكذا بدت الصورة أكثر وضوحا وأشهى حزنا وألّذُ متابعة ..
أفتح نافذتي برفق كلّ شيٍ هادئ .. سكون يثير النفس ..
أخشى مثل هذا الصمت القاتل وكأنّه نذير بركانٍ يوشك أن يفجر حممه ويرسل غضبه فيزفُ شتات الحاضر لأخدود النهاية ..
خوفٌ تخلقهُ تراكماتٍ حائرة ووجوم يرتسم معالم اللحظة ..
أنظر فإذا الأفق يبدو كئيبا متعثراً يكتسي وشاحاً مهترئ ويرسم معالم القهر واليأس ..
أهرع بلملمة أحرفي المتناثرة من هنا وهناك فتعاجلني بالهروب أكثر ..
خيالٌ ساحق يكاد يطبق على أنفاسي يجر لهيب الآه من بين أضلعي ..
حياتي كلها ذكريات وبين الذكرى والذكرى قنديلٌ وورقة ومحبرة .. وليل يحضر أوله ولا يغادر آخره ..
ارسم ُمن الأمل لوحة إطارها بقايا الأمس وخطوطها شعاع اليوم وألوانها إشراقة غدٍ ..
أنا طفلةٌ سكنت حانات النسيان تقرض من الوقت ثواني الانتظار ولهيب الواقع المر يجرد كل خيوط البراءة ..
ومع نفحات الفجر الباردة أطوي صفحات مذكرتي على بقايا حبر ذاب وسط مستنقعٍ من دموع ..