الخميس، 20 أغسطس 2009

تذكرتُ ويا ليتني لم أتذكرُ .

تذكرتُ ويا ليتني لم أتذكرُ .
قصة خاطر
.
.

عدت متأخرا تلك الليلة
كان الطقس باردا جدا بالخارج
وفور دخولي المنزل أتجهت نحو حجرتي
ألقيت بجسدي المنهك على سريري
أغمضت عيناي بهدوء
وبعد برهة
شعرت بزفراتي تعلو وتخبو
أحسست بالجفاف يكاد يقتلني
أشواك تغرز ثناياها في صدري
حمما تتقاذف وكأنها في معركة حياة
الصمت يطبق على أرجاء المكان إلا من أصوات أزيز رياح عابره تسللت من النافذة
في لحظة الشرود أللا ذهني تدور الأحداث وتتسارع
حلم واقع وخيال خالج حقيقة
مشاعر وأحاسيس أمتزجت بين سكون وضجيج
لا زالت حلقات تلك الأنفاس تتراوح بالقوة والضعف
شريط الذاكرة يمر سريعا
عادت الزفرات تنفس بقوة هذه المرة
أشعر بغصة فشهقة
أتذكر ... نعم أتذكر
طفل ممسك بيد عجوز
وفي الجانب الآخر سيل المركبات يتقاذف أمواج هادرة
لا زال الطفل يحمل رصيدا من الصبر
العجوز تبدو عليها قسمات الضريرة
تستحث الطفل في كل مرة
ولكنه يهمس لها بكلمات تلاقي قبولها
يا لحلم القدر المحتوم
وحكم أحداث الحياة
وفوق كل ذلك قدرة الآله سبحانه
الشريط يتسارع
وأنفاسي تكاد تخرج من بركانها
أتذكر ... نعم أتذكر
ضوء أحمر يسكت صريخ تلك المركبات المزعجة
الجميع ينتظر ... المجهول
ونحن نعيش على حقيقته
يمسك الطفل بيد جدته المسكينة ليعبر الطريق
وعند أنتصافهما المسافة
فجأة !!!
صوت لصريخ يخترق قلوبنا قبل أسماعنا
الذهول قد بلغ مداه
لوحة من الزمن تكسرت أشلاء في تلك اللحظة
أغمضت عيناي وأنا أرى ...
داخل سيارتي كنت أرتجف
أنتظر سماع ذلك الصوت المخيف
هشيم وصياح وصريخ يعصف بنبض اللحظة
لم أستطع فتح عيناي
أرغب في قفل الستار قبل المشهد الأخير
أسمع همهمات قربي
وشيء يسنهضني لأرى ما بالخارج
هدوء غريب حل بالمكان
هنا بلغت الزفرات عنفوانها
جسدى أصبح بقايا دمية تتحرك
حرارة تفوح بكل أطرافي
أتذكر ... بالتأكيد أتذكر
فتحت عيناي برفق
دمعة تشحذ أخرى
لم تكن اللوحة تحفل بلون غير الأحمر
شتات الصورة أعمى كل الأبصار
حينها فقط أدركت بإنني أبكي
أبحث بين الحطام على الطفل والعجوز
أزدحام وعويل ورائحة الموت غطت كل شيء
ووسط معمعة البشر أحاول صنع فرجة لأطمئن
كم من الوقت أحتاجه ذلك الطفل ليبلغ رضا ربه
وهل كانت تعلم تلك العجوز وهي تستجدي طفلها بذلك القدر
شعرت بأنني أحتبس ألم
جرح يقطر دما ودمعا
هنا فقط أصبت بإرتعادة كادت تقتلني
على سريري أتأوه وحدي
أطلب المزيد من الأغطية وأنا أتصبب عرقا
أتذكر .... أتذكر اتذكر
أبصرت بين الزحام ... ماذا ؟
أكاد أُصعق !!!
يد هنالك مرماة على قارغة الطريق
وأخرى بجانبها تقطر دما
يا للهول !!1
وبقايا أشلاء الطفل
آآآه وكم من الآهات أنطلقت هنا وهناك
لفيف الحزن غطى المكان
سيارة الإسعاف حضرت
لم أعرف بعد عن مصير المراة العجوز
بحثت هنا وهناك
وفي أثناء بحثي ولهفتي كانت مساحة الأمل تبرق بالأفق
سمعت كلمات بالجوار صمت أذاني
لم أعرها أي اهتمام في رحلة البحث المستمرة
وفي لحظة كانت مني إلتفاتة نحو سيارة الإسعاف الواقفة قربي
فإذا شخص مسجى بثوب أبيض
أقتربت وأنا أجر قدماي جراً
مساحة الأمل ذابت في تلك اللحظة
ووحشة حضرت ترقص أمامي
أمسكت بطرف الثوب
رفعته برفق
أبصرت منظراً لا نظير له
كدت أن أسقط من هول ما رأيت
جسد تحول أجزاء وأشلاء
تحولت معالمة إلى مزيج من الدم واللحم
لا حول ولا قوة إلا بالله
تحولت عن ذلك المسرح الأليم
ركبت سيارتي بهدوء
تحركت وأنا أنصب بقايا من أحزاني ودموعي
هنا فقط فزعت من حلمي الموحش
شعرت بكل ثيابي وهي تقطر عرقا
جلست قليلا أتأمل ذلك الشريط
أعدته مرة ومرتين وثلاث في لحظات
لم أحس بجودته كما عشته قبل حلما
حاولت لم أجزائه المتبعثرة
ولكن لم أفلح
هنالك أودعت رأسي حضن تلك المخدة
لأكمل فصول حلم بحياة واقع
تذكرت وتذكرت ويا ليتني لم اتذكر
خيوط من خيال نحتت في أشرعة الواقع .



بقلم : إبراهيم الزبيدي .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق