الاثنين، 16 مارس 2009

( ثمن الحرية )


( ثمن الحرية )
قصة قصيرة
******
عقارب الساعة تتحرك ببطء شديد ...
توشك إيقاف عجلة الزمن لإعادة صياغة مستقبل الأحداث ...
الصمت يلف المكان ...
سكون مقيت يحبس الأنفاس ...
يقطع خيطه صدى القطرات المنسكبة من تلك الحنفية القديمة التي لا زالت صامدة في وجه غجرية الزمن وقوانين الإحلال ...
بهدوء لبست زهرة عبائتها السوداء وأنتعلت حذائها البني المهتريء ...
نظرت إلى الساعة الأثرية الموجودة بوسط الدار ...
إنها الواحدة ظهراً ...
جالت ببصرها إلى كل زاوية وركن في المنزل ...
تتلمس كل شيء ...
تتنفس هوائه وتشم رائحته ...
كأنها ترغب أن تشبع عينيها وجميع حواسها منه وتودعه الوداع الأخير ...
عرجت على طفليها النائمين في حجرتهما ...
رمقتهما طويلاً وشلال من الدمع قد أنساب على خديها ...
نزلت إليهما ...
ضمتها برفق ...
قبلتهما ...
أجهشت ببكاء صامت أوقف تواصله نظرها إلى تلك الصورة المعلقة أعلى الحجرة ...
مسحت زهره بأطراف ثوبها ما تبقى على عينيها من دموع ...
وضعت ورقة بطرف سرير الطفلين ...
غطتهما بلطف ...
خرجت من الحجرة تسحب قدميها سحبا إلى باحة الدار ...
الأنفاس تعلو وتخفت ...
حالة الترقب والإضطراب تزداد ...
شريط الذكريات يمر سريعاً بإلتفاتة أخيرة ...
تقفل الباب وكأنها تعلن نهاية فصول مسرحية متكررة المشاهد متغيرت الأبطال ...
******
بعد زمن قليل ...
يفتح باب الدار ...
تدخل امرأة طاعنة في السن ...
تتهادى بخطوات متثاقلة أضناها بؤس الحياة ومرارة السنين ...
تضرب بعصاها أرض الدار لتقول أنني حضرت ...
إنني هنا ...
لا أزال موجودة رغم كل شيء ...
تدخل غرفة الطفلين وكأنها تكتب فصول نهاية درامية محزنة ...
تتفقد الطفلين ...
تتحسس المكان بعصاها ...
تقترب من الطفلين أكثر ...
تلامس غطائهما لتعيدة برفق ...
وفي أثناء ذلك ...
تقع يدها على تلك الورقة التي تركتها زهرة ...
ترفعها ...
تتأملها بصمت ...
تتفحصها يمنة ويسرة ...
هي لا تجيد القراءة ...
فجأة ...
وفي مكان غير بعيد ...
صوت الزغاريد قد أرتفع ...
والتكبيرات تخرق جدار الفضاء ...
تنصت بسمع ثقيل ...
صوت جهاز راديو غير بعيد ...
خبر عاجل ...
عملية إستشهادية جديدة في أحدى ثكنات العدو ...
الشهيدة زهرة المرسي تنفذ العملية التي تسفر عن خسائر كبيرة في صفوف العدو الصهيوني ...
سنوافيكم بالتفاصيل فيما بعد ...
تشخص الجدة ببصرها إلى أعلى الحجرة حيث تقبع تلك الصورة لذلك الشاب ...
تتمتم بحروف مبعثرة وبصوت خافت ...
تسقط دمعتان من تلك العينين الغائرتين اللتين عبث بهما الزمن وأبلاهما البكاء المرير ...
ترفع يدها إلى السماء طويلاً ...
تعود إلى الطفلين لتضع الورقة بينهما وقد بللتها بدموعها ...
نسمات طيبة ورائحة زكية تعم المكان ...
*******
وفي الورقة قد كتب ...
أنا ذاهبه حيث أجد زوجي وأبي
رجائي أطفالي وعمتي
ووصيتي تحرير وطني
زهرة
*******
تأليف : إبراهيم الزبيدي .

هناك تعليقان (2):

  1. رائع أبا أحمد

    قصة مؤثرة ، وهدف سامٍ

    بوركتَ أبا أحمد

    ردحذف
  2. أبراهيم
    تسلسلك ببداية القصه كان رااائع
    طريقة وصفك لحركات زهره كان جدآ دقيق
    خصوصآ لمن مسحت دموعها بطرف ثوبها
    ولحظه وداع طفليها

    القصه بشكل عااااااام جدآ رااائعه
    وفيها الكثير من المعاني الجذابه

    أجدها جميله رغم قصرها

    بسوي لك أنتقاد لكن لاتخليه يحبطك
    أعتذر أنا متعوده أنني أنتقد القصص في منتدى أخر
    فقط لأجعل كاتب القصه
    يواصل ولكن بشكل جيد

    أنت لم تسترسل بالأحداث
    ماسويت حواااار
    بس هذا مو مهم المهم
    أن القصه كانت رااائعه

    فعلآ أعجبت بها

    النهايه ماتوقعتيها
    توقعتها بتروح للعمل أو أنها ستخرج وتعود لمنزل والديها

    لكن النهايه صدمتني أنها أستشهدت

    رسالتها كانت معبره

    أشكرك أبراهيم على القصه الممتعه

    لن أكتفي بهذا القدر
    وسأتطلع لجديد نزفك

    ردحذف